يتكرر مشهد غرق السودان كل عام، لكنه هذا العام تجاوز حدود الاحتمال، رفعت الأمطار الغزيرة التي هطلت على مدار الأيام الماضية منسوب النيل إلى مستويات قياسية، فأدى إلى غمر مساحات شاسعة من القرى والمزارع، ولم يجد السكان المحليون الوقت الكافي للتأهب، إذ اجتاحت المياه منازلهم خلال ساعات قليلة، فخرج البعض حاملين أطفالهم على الأكتاف، بينما كان آخرون يسحبون مواشيهم وسط الطين والوحل إلى أماكن مرتفعة، وأعلنت وزارة الري السودانية حالة الطوارئ القصوى، مطلقة ما يعرف بـ “الإنذار الأحمر”، في محاولة لتحذير المواطنين من احتمالية توسع رقعة الفيضانات التي تهدد أرواح عشرات الآلاف وتضع البلاد على شفا أزمة إنسانية خانقة.

غرق السودان

دفع غرق السودان وتحديدا بعض المناطق الحيوية السكان إلى اتخاذ قرارات سريعة للهروب من الكارثة القادمة، ولم يعد الأمر مجرد توقعات جوية أو تحذيرات رسمية، بل واقع مرير يعيشه المواطنون ساعة بساعة، وجد سكان ضفتي النيل تحديدا، أنفسهم محاصرين بالمياه، فأجبرهم ذلك على إخلاء منازلهم ونقل المحاصيل التي تعبوا شهور في زراعتها، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صور ومقاطع فيديو توثق مشاهد محزنة لأراضي زراعية مغمورة بالكامل، وأبقار تسحب بصعوبة من الوحل، وتتصاعد المخاوف من اتساع رقعة الغمر لتشمل مناطق جديدة، خاصة أن الأحوال الجوية ما زالت غير مستقرة، والمياه ما زالت تتدفق بقوة دون أي مؤشرات على التراجع.

السد الإثيوبي في قفص الاتهام

فتح غرق السودان هذه المرة باب التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء تكرار الكارثة، وخصوصا في ظل وجود سد النهضة الإثيوبي الذي وعدت به إثيوبيا للحد من الفيضانات، لكنه لم يمنع شيء بل زاد الطين بلة، وكشف الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عن أن ما يحدث الآن في السودان ليس فيضانات طبيعية فقط، بل هناك شبهة فيضانات صناعية غير متوقعة ناتجة عن فتح بوابات السد في توقيت غير مناسب، وأكد أن الفيضان الحالي الذي جاء قبل موعده الطبيعي في سبتمبر أو أكتوبر، قد يكون نتيجة قرارات منفردة اتخذتها إثيوبيا دون تنسيق مسبق مع السودان، ويعيش السودانيون على وقع الخوف والقلق من تكرار السيناريو في الأيام القادمة، في ظل غياب حلول جذرية للأزمة المستمرة.